انطلق الأسبوع الأول من مؤتمر الأطراف COP30 في مدينة بيليم بالبرازيل وسط حالة من الاستعجال وتوقعات مرتفعة. وقد استُضيف المؤتمر في قلب غابات الأمازون، إحدى أهم النظم البيئية على كوكب الأرض، حيث استقطب أكثر من 56 ألف مشارك من مفاوضين وصُنّاع سياسات وعلماء وقادة أعمال وممثلي المجتمع المدني.
كان الهدف واضحًا: تسريع وتيرة العمل المناخي العالمي. إلا أن الأسبوع الأول كشف مزيجًا من التقدم والتردد وإشارات تحذيرية. ففي حين شهدت بعض الملفات تقدمًا سلسًا، لا تزال أخرى دون حسم. ويظل التمويل والمساءلة والتعاون العادل من أبرز التحديات القائمة.
فيما يلي تحليلي المختصر للأسبوع الأول وانعكاساته على الحكومات وقطاع الأعمال والمستثمرين والمجتمعات.
- النوع الاجتماعي والعمل المناخي: خطة عشرية ما زالت في نقطة الانطلاق
كان من المتوقع أن يشكل برنامج العمل الخاص بالنوع الاجتماعي لمدة عشر سنوات أحد أبرز مخرجات COP30. ويهدف البرنامج إلى ضمان شمول السياسات والبرامج المناخية للمرأة، التي غالبًا ما تكون الأكثر تضررًا من تداعيات التغير المناخي.
أبرز الحقائق:
- تم تمديد العمل المناخي المرتبط بالنوع الاجتماعي لعشر سنوات إضافية خلال COP29، دون تخصيص موارد مالية مستقلة.
- تُصر الدول النامية على تخصيص تمويل مستقل لمبادرات النوع الاجتماعي.
- تُفضل الدول المتقدمة إدراج تمويل النوع الاجتماعي ضمن المفاوضات العامة للتمويل المناخي، مما قد يؤدي إلى التأخير ويحد من مستوى الشفافية.
الأهمية:
دعم المرأة يحقق آثارًا ملموسة؛ إذ تشير الدراسات إلى أن تمكين المزارعات يمكن أن يرفع الإنتاجية الزراعية بنسبة 20–30%، ويعزز الأمن الغذائي، ويرفع مستوى القدرة على التكيّف مع الصدمات المناخية. وبدون تمويل مخصص، سيظل البرنامج رمزيًا أكثر من كونه تحوليًا.
إن توفر تمويل مكرس لبرامج النوع الاجتماعي يعد أمرًا أساسيًا لتحقيق نتائج فعلية في مجالي التكيف والصمود المناخي.
- الهدف العالمي للتكيف: مهم… لكنه متعثر
يرتبط التكيف بدعم المجتمعات والدول والنظم البيئية في الاستعداد لمخاطر المناخ مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر ونقص الغذاء. وقد كان من المتوقع أن يشكل الهدف العالمي للتكيف محورًا رئيسيًا في COP30، إلا أن المفاوضات لا تزال دون توافق نهائي.
التحديات البارزة:
- الخلاف حول كيفية قياس التكيف، بما يشمل مؤشرات مثل الأمن المائي، ومرونة النظم الغذائية، والبنية التحتية المقاومة للمناخ.
- مطالبة الدول النامية بالتنفيذ الفوري للهدف لإتاحة الوصول إلى التمويل، فيما تقترح بعض الأطراف ـ مثل المجموعة الإفريقية ـ برنامج عمل لمدة عامين لإجراء مزيد من المشاورات.
لماذا يُعد الأمر خطيرًا؟
- تُقدّر تكاليف التكيف بحلول عام 2030 بما يتراوح بين 215 و387 مليار دولار سنويًا.
- التمويل الحالي للتكيف لا يغطي سوى جزء محدود من هذه الاحتياجات، ما يترك الفئات الأكثر هشاشة عرضة للمخاطر.
- أقل من 5% من التمويل المناخي يُخصص حاليًا للزراعة والمياه والأمن الغذائي، رغم حساسيتها العالية للتغير المناخي.
الانعكاسات:
في ظل غياب إجراءات عاجلة للتكيف، ستواجه المجتمعات خطر فشل المحاصيل ونقص المياه وتكرار الظواهر الجوية المتطرفة. فعلى سبيل المثال، يواجه المزارعون في إفريقيا جنوب الصحراء خسائر متزايدة بسبب الجفاف، بينما تعاني المناطق المعرضة للفيضانات في جنوب آسيا من ضعف البنية التحتية.
ويُعد الاتفاق على مؤشرات قياس واضحة للتكيف أمرًا جوهريًا، إذ لا يمكن تتبع التقدم أو تأمين التمويل أو تنفيذ المشاريع بفاعلية دون وجود إطار موحد للقياس.
- التحول العادل: انقسام واضح بين الدول المتقدمة والنامية
يركز “التحول العادل” على ضمان أن يكون الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري منصفًا للعمال والمجتمعات والاقتصادات، إلا أن الأسبوع الأول كشف عن تباينات واضحة في المواقف بين الدول المتقدمة والنامية.
نقاط الخلاف:
- تطالب الدول النامية بآلية تنفيذ مستقلة ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إضافة إلى تمويل يمكن التنبؤ به لمشروعات التحول العادل.
- ترفض الدول المتقدمة إنشاء هياكل جديدة أو فتح نوافذ تمويل إضافية.
- أثارت سياسات تجارية مثل آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية مخاوف تتعلق بالعدالة والتكافؤ الاقتصادي.
تطور جديد:
لأول مرة، أُدرج قطاعا الزراعة والنظم الغذائية ضمن مناقشات التحول العادل، وهو تطور في غاية الأهمية، نظرًا لأن هذا القطاع يوفر سبل العيش لأكثر من مليار شخص حول العالم.
الانعكاسات:
في حال عدم التوصل إلى توافق، قد تتعرض الفئات الضعيفة لخسائر اقتصادية كبيرة، كما قد تؤدي عملية التحول إلى تعميق التفاوت بدلًا من الحد منه.
- العلم والبيانات: تحدٍ غير متوقع
تُعد البيانات العلمية الدقيقة حجر الأساس لكل سياسات المناخ. فمن دون بيانات موثوقة، تصبح القرارات المرتبطة بالتكيف أو التخفيف أو البنية التحتية أو التمويل غير فعالة. وعلى نحو مفاجئ، أصبح هذا الملف محل خلاف خلال الأسبوع الأول.
أبرز القضايا:
- تحفظ بعض الدول على إدراج بنود صريحة لمكافحة التضليل المناخي.
- خلافات حول الإشارة إلى تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).
- وجود فجوات كبيرة في أنظمة الرصد والمراقبة لدى الدول النامية، ما يجعلها تعتمد على مصادر بيانات خارجية.
- محدودية التمويل المخصص لمرفق تمويل الرصد المنهجي (SOFF)، الداعم لشبكات المراقبة المناخية عالميًا.
لماذا هذا مهم؟
من دون بيانات دقيقة، لا تستطيع الدول تصميم سياسات فعالة أو أنظمة إنذار مبكر للكوارث، مما يزيد من هشاشتها أمام الصدمات المناخية، لا سيما في الدول ذات القدرات المحدودة.
الانعكاسات:
يُعد تعزيز شبكات الرصد العالمية، ودعم أنظمة البيانات في الدول النامية، شرطًا أساسيًا لصنع سياسات قائمة على الأدلة.
- الزراعة والأمن الغذائي: نقطة مضيئة نادرة
تقع الزراعة والنظم الغذائية في قلب النقاش المناخي، كونها من أكثر القطاعات تأثرًا بالتغير المناخي، وفي الوقت نفسه من أكبر مصادر الانبعاثات.
الإنجازات:
- الانتقال من مرحلة النقاش إلى التخطيط التنفيذي ضمن “عمل شرم الشيخ المشترك بشأن الزراعة والأمن الغذائي”.
- الاتفاق على خارطة طريق تمتد حتى عام 2026 لإدماج النظم الغذائية في خطط العمل المناخي.
لماذا هذا مهم؟
تُسهم الزراعة بنحو ثلث الانبعاثات العالمية، وتستهلك 70% من المياه العذبة، وتوفر سبل العيش لنحو 2.5 مليار شخص. ومع ذلك، لا تتلقى سوى أقل من 5% من التمويل المناخي.
الانعكاسات:
يمثل التقدم في هذا القطاع عاملًا حاسمًا للمناطق شديدة التأثر بالمناخ مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا، حيث يساهم تحسين التخطيط الزراعي في تعزيز الأمن الغذائي والصمود المناخي.
- المادة 6.8: تعاون مناخي دون أسواق كربون
بينما تنصب معظم العناوين الإعلامية على أسواق الكربون، تركز المادة 6.8 من اتفاق باريس على التعاون المناخي دون بيع أو شراء أرصدة الكربون، وهو خيار بالغ الأهمية للدول غير الجاهزة لآليات السوق.
التقدم المحقق:
- تم التوافق على تحسين منصة “النهج غير السوقية”، التي تشمل الاستبيانات، وتقييم المشاريع، والدعم الفني.
الانعكاسات:
- تتيح هذه الآليات فرصًا للتعاون للدول التي لم تُنشئ بعد أسواق كربونية.
- تسهم في تسريع التحول المناخي في مجالات مثل الزراعة والطاقة وإدارة النظم البيئية.
- يضع التوافق حول المادة 6.8 الأساس لمشروعات مشتركة تقلل الانبعاثات وتعزز القدرة على التكيف.
- الخسائر والأضرار: تقدم فني وتمويل محدود
تشير “الخسائر والأضرار” إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للكوارث المناخية التي تواجهها الدول بالفعل، خاصة النامية منها.
أبرز الأرقام:
- إجمالي التعهدات حتى الآن يقارب 700 مليون دولار.
- الخسائر السنوية الفعلية تتجاوز 400 مليار دولار.
- لا تغطي التعهدات الحالية سوى أقل من 0.2% من الاحتياجات الواقعية.
الواقع:
لا يزال الخلاف قائمًا حول آليات التمويل، سواء أكانت على شكل منح أو قروض أو تأمين.
الانعكاسات:
يتحتم على الدول تطوير استراتيجيات داخلية تشمل آليات نقل المخاطر، وبرامج تأمين، وخطط جاهزية للكوارث، للحد من آثار الأحداث المناخية مستقبلًا. كما يظل سد الفجوة التمويلية شرطًا لتحقيق العدالة المناخية للفئات المتضررة.
- التمويل المناخي: التحدي الجوهري
يمثل التمويل المناخي الأساس لكل مسارات العمل المناخي، من التكيف إلى التخفيف، ومن الخسائر إلى الاستثمارات الخضراء.
المستهدفات:
- التزام الدول المتقدمة بتوفير 300 مليار دولار سنويًا بحلول 2035.
- الوصول إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا من مختلف المصادر.
الواقع الحالي:
لا يتجاوز التمويل السنوي المتاح للدول النامية ما بين 90 و100 مليار دولار، ما يترك فجوة تتجاوز 200 مليار دولار.
الانعكاسات:
- سد الفجوة التمويلية ضرورة لتحويل التعهدات إلى أفعال.
- يتعين تطوير أدوات مالية مبتكرة مثل الصكوك الخضراء، والتمويل الممزوج، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
- الشفافية والمساءلة عنصران جوهريان لبناء الثقة وضمان وصول التمويل إلى مستحقيه.
وباختصار، فإن التمويل المناخي هو المحرك الأساسي للعمل المناخي العالمي. وبدونه، ستظل الالتزامات حبراً على ورق، وستبقى الفئات الضعيفة الأكثر تضررًا.
ماذا يخبرنا الأسبوع الأول عن المرحلة القادمة؟
قراءة واقعية:
- معظم بنود جدول الأعمال ما تزال دون حسم.
- فجوات التمويل تتسع.
- العلم لا يزال موضع تجاذب سياسي.
- التكيف والتحول العادل بحاجة إلى التزامات فعلية لا تصريحات عامة.
إشارات إيجابية:
- الانتقال من الحوار إلى التنفيذ في مجال الزراعة والأمن الغذائي.
- فتح قنوات تعاون جديدة عبر المادة 6.8.
- التمهيد لمفاوضات وزارية أكثر حسماً في الأسبوع الثاني.
الانعكاسات على الحكومات وقطاع الأعمال والمستثمرين
1️⃣ مؤشرات التكيف ستعيد تشكيل أطر المساءلة
الدول التي تستعد مبكرًا لاعتماد مؤشرات واضحة في مجالات المياه والأمن الغذائي والبنية التحتية المقاومة للمناخ ستكون الأقدر على استقطاب التمويل.
2️⃣ منظومة التمويل تدخل مرحلة إعادة هيكلة
من المنتظر بروز أدوات جديدة وإصلاحات في بنوك التنمية متعددة الأطراف، وتعزيز دور القطاع الخاص.
3️⃣ النظم الغذائية تدخل صلب الأجندة المناخية
من المتوقع ارتفاع وتيرة المبادرات والاستثمارات الزراعية خلال المرحلة المقبلة.
4️⃣ التعاون غير السوقي سيكتسب دورًا أكبر
توفر المادة 6.8 إطارًا عمليًا لنقل التقنية وبناء القدرات وحماية النظم البيئية.
5️⃣ ملف الخسائر والأضرار لم يعد قابلًا للتجاهل
يتعين على الدول تطوير أنظمة وطنية للتأمين وإدارة المخاطر.
الخلاصة
كان الأسبوع الأول من COP30 في بيليم اختبارًا واقعيًا لمدى جاهزية العالم للانتقال من الالتزام إلى التنفيذ. فالعالم يدرك حجم الأزمة المناخية، لكنه لا يزال يختلف حول آليات التطبيق وتوزيع الأعباء المالية.
تحمل بيليم رسالة واضحة: لا بد أن يقترن الطموح بالموارد والأطر التنظيمية والمساءلة، وإلا سيظل العمل المناخي مجرد طموحات لا تتحول إلى واقع.